يوميات طفل فلسطيني

 

تحدثنا كثيرًا عن الصغير الكبير.. البطل الحقيقي للانتفاضة المباركة، حتى صار يمثل لدينا نجمًا حقيقيًّا بكل ما تحمله الكلمة من سمو ورفعة، وحتى صار كل منا يرسم له في مخيلته صورة أو أخرى، نحتاج الآن أن نترك مساحة لهذا الصغير؛ حتى يحدثنا بنفسه عن يومه وواقعه الذي جسَّد البطولة، وأخرجها من كتب الأساطير إلى الشوارع والأزقة في الأراضي المحتلة، وهو يصف لنا ذلك بتلقائية وقوة تلائم رجولته المبكرة ،فيقول:

وقتي يتوزع بين أمور ثلاثة: فإذا ما نلت قسطًا من النوم الذي قد تتخلله كوابيس بين الحجارة والصواريخ وجنود الاحتلال، فإنني غالبًا ما أبدأ يومي بأن أصحو من نومي استعدادًا للذهاب إلى المدرسة، والتي اختصرت ساعات دوامها بفعل الاحتلال، وأحمل حقيبة مدرستي، والتي لا تخلو غالبا من حجر ومقلاع ونبيضة" أدوات حربي"، والتي أصبحت ملازمة لي ملازمة كراسة الحساب والعربي.

 

الفسحة.. مجلس حرب

وفي الفسحة ما بين الدروس الأولى والنهائية، والتي كنا نستغلها إما في اللعب أو تناول الطعام أصبحنا اليوم نعقد فيها مجلس حرب أخطط لها مع مجموعة من زملائي كيف نتوجه إلى نقاط الاشتباك مع قوات الاحتلال، ومن أين نبدأ قذف الحجارة، وهل تم تجهيز أدوات الحرب لدينا أم لا، ونوزِّع أنفسنا فيما بيننا وكأننا قادة في الميدان، ووقود حربه، هكذا أدركنا أن المقاتل الحقيقي يخطط، وينفذ ويتقدم الصفوف في ميدان المعركة.

 

أرض المعركة

وما إن ينتهِ اليوم الدراسي حتى أتوكل على الله، أُثبت حقيبتي على ظهري، وأدخل أرض المعركة؛ ليبدأ الفصل الثاني من يومي، وفور الوصول إلى أرض المعركة أقوم بدراسة واقعها ومكانها، وكيف يمكن لي أن أنطلق وكيف أؤمن انسحابي، وأين أضع ذخيرتي، وكيف يمكن لي أن أصل إليها بالسرعة الممكنة كل ذلك لا يأخذ من وقتي الكثير؛ فالمعركة رحاها دائرة وعليَّ بسرعة الانخراط في صفوفها وفعلاً أرتب أمري ورفاقي بعد أن نكون قد وصلنا جميعًا إلى مكان المواجهة، وأبدأ بقذف حجارتي بما أملك من أدوات قتالية، فمن لا يملك منا مقلاعًا أو نبيضة يصوِّب بيديه ينطلق بسرعة ويلتقط الحجر، "ويُنَشِّن" بسرعة ويصوِّب ويحدد الهدف، ويقذف ثم يرتمي على الأرض؛ ليقي نفسه وابل الرصاص المنهمر من بندقية العدو الرشاشة.

 

كيف أقي نفسي النيران؟

وهكذا، فقد تفرض عليّ أرض المعركة أن أفكِّر في خلق وسائل وقاية إما من خلال الأشجار الموجودة في المكان أو الجدران القريبة من أرض المعركة، ولكن بعد أن دمرت قوات الاحتلال كل تلك الوسائل التي أستخدمها لأقي نفسي نيران العدو إلا أن كل ذلك لم يُثنِني عن خلق وابتداع وسائل أخرى، وفعلاً نجحت في ذلك، فتارة أحتمي بألواح الزينكو أو الكرميد (الإسبست)، رغم علمي علم اليقين أنها لن تحميني من رصاص الغدر، إلا إنها على الأقل لا تجعلني هدفًا سهلاً لقناصة الاحتلال.

وهكذا المعركة تدور ويشتد وطيسها ويجرح من يجرح، ويستشهد من يستشهد، وما إن يجنُّ الليل حتى تهدأ المعركة؛ فأنسحب من ميدانها قافلاً إلى منزلي لتبدأ المرحلة الثالثة من هذا اليوم.

 

في مخبئي.. مع الحقيبة

ومع حلول الليل تبدأ رحلة الجزء الثالث من يومي والأخير، أحاول أنا وأهلي أن نرتاح من عناء يوم طويل، أنا من تعب المواجهة، وأهلي من شدة القلق، ولكن أنَّى لمثلي النوم، وما إن يُرخِ الليل سُدُوله حتى تبدأ رصاصات الغدر، تنطلق صوب البيوت الآمنة من كل مكان ودون رحمة أو وازع ضمير، فما علينا إلا أن نبدأ في مرحلة جديدة تُلَمْلم فيها أمي إخوتي وتمتد يدي إلى حقيبتي أحملها على ظهري بعد منتصف الليل؛ لنبحث عن ملجأ آمن يقينا رصاصات الاحتلال المنهمرة من كل مكان، وفعلاً نرحل جميعا عن منازلنا ورغم عتمة الليل وانهمار الرصاص وإرهاق النهار فإن الجميع يحمل نفسه وأحمل حقيبتي؛ لأن بها أدوات حربي وكراسة علمي، ونذهب جميعًا عَلَّنا نجد بيتًا للأهل يمكن أن نأمن به رصاص الاحتلال وننال ساعة أو ساعتين من النوم حتى تعطينا قوة لنواصل جهد اليوم الثاني، وهكذا دواليك تمر الأيام ولا أدري إلى متى، ولكنّ هناك هدفًا أمامي يهون كل الصعاب وهو أن أطرد الاحتلال حتى أعيش في أمان وحرية واستقلال.

الصفحة الرئيسة